تصفح المقالات بتاريخ "يونيو, 2018"
يونيو
20
2018

قصائد د. غوش احتفالية عناصر إبداعيّة تنشر جوًا من الأمان والثقة وتغني الوجود

قصائد د. غوش احتفالية عناصر إبداعيّة تنشر جوًا من الأمان والثقة وتغني الوجود

وهذا ما جعله يتربّع  على عرش شعر الطفولة اللبناني المبدع

 

أستهل الكتابة باقتباس ممّا كتبه د. طوني غوش في مستهل ديوانيه، أنغام على أوتار الفجر –  وأغاني البلابل السجينة، في صفحتي الإهداء،  يقول:” عندما ينتشي العالم ببسمة طفل تولد الحياة على الأرض، وعندما يغرق العالم في دمعة طفل تبدأ الحياة على الارض”، وهو بذلك، يرسم  بين بسمة الطفل ودمعته ملامح كون بشريّ حقيقيّ يتشكّل من خلال هذه العلاقة الجدليّة التفاعليّة بين طفل وحالته النفسيّة من جهة، وعالم يكون متأثرًا به ومتمحورًا حوله،  من جهة أخرى. علاقة تعترف بالطّفل وبكينونته، وتتأطّر حدودها في مثلث التّفهم والتّسامح والاهتمام، فتكون أقطاب المثلث هذا أساسًا لكلّ فرح، ولكلّ استمراريّة في حياة صحيّة وآمنة،  تحمل القصيدة الموجهة إلى الأطفال شعارها، وتجعله عنوانًا لها.

من هذه الرؤية الى الطّفل وإلى قصائده، وإلى دور أدب الأطفال ولدت قصائد د. غوش وشعّت صورًا غنية بالخيال الحركيّ، لتعرّف المتلقي/ الطفل الى بعض القضايا الحياتيّة الشائكة والعصيّة على الفهم كالموت والفقر وغيرهما، قضايا يقف الإنسان حائرّا أمامها ،  وتربك الطفل، وتهدد كيانَه، بالإضافة إلى أشكال عديدة  أخرى من العنف المقنع الذي يعانيه في البيت والمدرسة، إشكاليات متنوعة تثيرها قصائد أغاني البلابل السجينة، تتمثّل في عنف صراخ المعلمات، والتوتّر في الصّف بسبب النّظام التّعليمي القائم، والاختبارات والنتائج والعلامات والمنافسة، عنف مقنع يسلب الطّفل الحرية باسم التهذيب وباسم التّعليم وباسم الواجبات المدرسيّة وباسم المدنيّة…  عنف مقنّع يبعد الطّفل عن ذاته، عن أناه الحرّة…  ويحوّله إلى واحد ضمن مجموع.. فأتت قصيدتا ” أصبحت أنا ” و”إلى طفلي”، ردًّا  مباشرًا على ذلك…

يختار د. غوش هذه القضايا ويحوّلها شعرًا مناسبًا للناشئة، ويؤدي فيها دورين يكمل أحدهما الآخر: الأول،  يتكلّم فيه بلسان الطفل، ويجعله يعبّر عن مخاوفه وهواجسه. والثاني، يؤدي فيه دور الراشد / المرشِد، بطريقة غير مباشرة ليقدّم إلى الطفل بطريقة سلسة حلولاً نفسيّة مريحة، بعيدًا من الخرافات والأساطير والحلول العجائبيّة التي يعج بها الأدب الموجّه  إلى الناشئة، مُحاكيًا عقولهم، مُحترمًا قدراتهم الذّهنية، محاوِرًا إياهم، وذلك عبر جملة أو كلمة أو صورة، أو لوحة أو موقف أو عبر هذه العناصر مجتمعة، فيمسك بذلك الطفل بيده ويعيده الى بر الأمان، في مقاربة  أو قل مغامرةً شعريةً تبدّد المخيفَ وأثارَه، وتعيد اليه البسمةَ.

ومع هذه الرؤية الى الطفل وأدبه تحولت عناصر بناء هذه القصائد اللغوية والموسيقية والدلالية القيمية والنفسية، التي شكلها د. غوش باحترافيّة وابداعيّة عاليتين إلى مهرجان  يضجّ بالحركة، يحفز على الرقص حينًا، وعلى الغناء حينًا، وعلى التمثيل وأداء الأدوار حينًا آخر، دامجًا الفنون بالشعر  ليعبّر  من خلالها عن الحالات الطفوليّة النفسيّة والاجتماعيّة  التي أتيت على ذكرها سابقًا، على صعوبة مضامينها، بقالب شعريّ أو حواريّ  إلى  جانب سرد خفيف الظّل رهيف الإحساس، وهنا يكمن جانب آخر من جوانب إبداعية الشاعر في هذه القصائد إذ قرّب المادة الشعريّة من مستويات الطفل الادراكية والذهنية، ووظّفها لتنمية قدراته  وترسيخ قيم المصالحة مع الذات والآخر والتواصل والمساواة والتعاون والحماسة. وكذلك أنهى كل قصيدة بعبرة أو سلوك ما، على الطفل أن يقوم به ليبدّل حالة معينة يحياها، أو أنهاها بموقف يرسم البسمة على وجه المتلقي.. وتاليًا، أنهى الشاعر هذه القصائد بفعل تأسيسي  لعلاقات ايجابية، دون السقوط في فخ التلقين والوعظ، وهذا ما حول ديوانيه هذين الى احتفالية عناصر إبداعية تنشر جوا من الأمان والثقة،  تحتفل بالوجود، وتغنيه، بشكل متناغم  يضمن التفاعل وتأمين اثر نفسي يخرق توقعات المتلقين، ويثير فيهم لذة المتابعة وضرورة الانصياع الى فضاء الطمأنينة والحرية . وهذا أكثر ما نفتقده في عالمنا اللبنانيّ والعربيّ العنيف، لا يعطي الطفولة حقّها، ويكبت صوتها بين الممنوع والخرافي والمستورد.

وبذلك يكون د. غوش قد نجح في  تأسيس خط إبداعي شعري للناشئة بعدما طوّع اللغة الفصحى  في أعمال تختصر الكثير من الخبرات والخبرات على أكثر من صعيد،  ما جعله يتربع  على عرش شعر الطفولة المبدع الذي ينمي الابداع عند الناشئة، ويحفّزهم عليه.ولهذه الأسباب مجتمعة شكّلت هاتان المجموعتان مادّة غنية للدراسة الجامعيّة بهدف استثمارهما في نشاطات تعليمية بشكل يخدم أكبر شريحة ممكنة من الأطفال في البيئات المختلفة التي تحيا في تعطش دائم لقصائد مشابهة تشجعها وتجعلها تتعلّق أكثر بهويتها ولغتها ووطنها.

“أنغام على أوتار الفجر، وأغاني البلابل السجينة” قصائد تعزف وتغني أغنية التّخلّص من الهمّ والغمّ، لا تمرّدًا وإنّما من طريق الاستيعاب لما يجري والمراد والذي سيكون، نماذج حيّة عن إبداع شعريّ وتربويّ  لا بدّ من توظيفها من أجل بناء طفل متصالح مع نفسه ومع لغته ومع الآخر، طفل متلقٍ وفاعلٍ ومنجزٍ في آن.

 

أ.د. مهى جرجور

بيروت، 1 تموز 2017

يونيو
20
2018

متعة القراءة ولذة المفاجأة وفرح الحبّ في حكايات محمد أبو علي  القصيرة:”ضوع الياسمين”

 

وتصير القراءة متعة في “ضوع الياسمين”، قراءة نهمة تطالب بالمزيد من رقيق الشعر والحكايات والخواطر والحواريات التي ابتدعها خيال مبدع غنيّ في الصور، يُتقن التغلغل إلى الأعماق، فيحوّل العادي إلى غير عادي، ويجعل عناصر الطبيعة في تناغم تام تحاكي الإنسان وتمجّد الحبّ، وتجعله عنوان الاعتراف بالآخر، وسنّة كل تعامل معه.

وينطلق المبدع محمد أبو علي في ياسمينته الثانية / حكاياته القصيرة من بدايات مؤرقة، فيها ضلال وشيخوخة وعجز، فيها تعب من هرم ومن وجد، أو شراسة، أو نكران، أو أقنعة وسدود، أو فعل ندامة، أو سقم، أو ضياع في قاع …وفي متونها رغبة في حوار، في ري ظمأ، في تلاقٍ، ورغبة في صوغ حياة جديدة في قالب جديد، رغبة في خلق كون دلالي مختلف، يتشكّل من تناغم شديد بين قوة الإنسان /الشاعر، والقوّة المغيّرة/ الحبّ، فتتأسس بذلك متعة القراءة، وتمتد مع ملاحقة القارئ لمجموعة من الصور المستمدة من عوالم الطبيعة ورمزيتها، والسّرد والحوار، وغيرها من عناصر لغوية وبصرية تطوّعها شعرية محمد أبو علي المبدع لتقديم خطوات الخروج من عوالم المرض والعجز والجفاف الذي يغرق فيه الإنسان العربي المعاصر، الممثل بالياسمينة،  إلى عوالم النور والفرح والشباب، وكل ما يمكن أن تحمله كلمة “الضوع” من معانٍ، ترتقي بالنّفس الإنسانية، وتجعلها تتفلّت من ثقل المادة، من عقدها، من عفنها، من عبوديتها، لتنساب بحرية في الفضاء محمّلة بقدرة عجائبية، تحوّل الواقع المادي إلى واقع نوراني خصب، بلا حدود أو روادع.

وتستمر متعة القراءة في قراءة لغة لا تشبه اللغة القاموسية، تكتسب دلالاتها من سياق بعيد من السياقات التقليدية، خالقة سياقها الخاصّ المعنون بالاتّحاد والتّكامل والصلاة في حضرة الإلهي، ونبذ التعجرف بهدف صوغ علاقة نوعية بين الذات والآخر، سواء أكان فردًا أم جماعة، وبين الذات وخالقها. وبذلك يُسقط المبدع أسباب الاغتراب وفقدان التواصل والشعور بالنّفي على عتبة التواصل المحكوم بالحبّ، مكثّفًا بذلك التجربة الإنسانية في إطار مكاني حاضن، يتمثّل بالطبيعة المحاكية للإنسان وحالاته الشعورية. تاليًا، تشكّل حكايات “ضوع الياسمين” مرتعًا لتنويع صوري رمزي مميّز يتلاحق في ذهن المتلقي، ويفرض نفسه وبصماته في وجدانه، فينجح بشكل مستمر، ومع كل قراءة في تعميق فهم المتلقي لحاجاته الأساسية ككائن متميّز عن الكائنات الأخرى، متوحّد معها في آن، وينقله من حال نفسيّة إلى أخرى بحركة سردية رشيقة، فتتكوّن لذّة المفاجأة في المتلقي. وتبهره القفزات السّرديّة السّريعة الملتقطة للتحوّل من الهرم إلى الشّباب، ومن العقم إلى الخصوبة، ومن الخوف إلى السّكينة، ومن الرّفض إلى القبول، ومن الشّك إلى اليقين، ومن العتب إلى الرضى، من الكراهية إلى الحبّ، بفعل عنصر مبدّل مغيّر يتجسّد في الامتثال لشريعة الحب وما يفترضه من رجاء. فتتحوّل حكايات محمد أبو علي إلى لحظات جمالية تتبلور في صيغة من أكثر الصيغ المغروزة في الوعي الجمعي، والأكثر فعالية منتجة، والأكثر تأثيرًا ، يشدّها خيط رفيع، يتمركز في نهايات حكاياته التي يختارها فاصلة بين زمنين، مغيّرة، مزهرة، تجعل الاحتفاء بلقاء الآخر لعبة بلاغية متقنة الحبك، تفلح في شد القارئ إلى دائرتها السحرية. وهنا، تؤدي صوره السردية المستمدة من الحقلين المعجميين لعالمين متعارضين: الطين والنور، رهانًا بلاغيًّا يختزل المسافات بين الانسان، ويكثفها في بوتقة ربانية المصدر، في رؤية مشتركة تنتهجها قصصه تتقاطع خلفياتها مع عقيدة المبدع الداعية الى الارتقاء الدائم والتحرّر من براثن الطين،  سائرًا على خطى الصوفيين.

وبهذا، تعبر “حكايات- ضوع الياسمين” عن أنا المبدع محمد أبو علي الحلمية  التي يسعى إلى أن يجعلها  “أنا كونية” بامتياز. فتصير كتاباته لذة تترسّخ  في وجدان المتلقي، وتفاعلاً حيًّا بهدف التخطّي المستمرّ نحو الأسمى… وتصير حكاياته حكايات كل بشريّ على مرّ العصور…

 

 

 

يونيو
20
2018

ظلال العاشق التاريخ السّري لكموش ظاهرة إبداعية تناصيّة تفاعلية رقمية”.

ظلال العاشق التاريخ السّري لكموش

ظاهرة إبداعية تناصيّة تفاعلية رقمية”.

“ظلال العاشق التاريخ السّري لكموش” ظاهرة إبداعية تناصيّة تستدعي قراءتها النقدية استخدام أدوات قرائية عديدة تفتح على مسارات تخصصية مختلفة، تمزج التاريخي بالمعاصر، الأسطوري بالتقني والرقمي، الجد باللعب لمحاولة فهم تعقيدات الغريزي والإلهي، الإنساني والوحشي، الواقعي والافتراضي، الحقيقي والمتخيّل بواسطة بنية سردية تفاعلية رقمية.

ومن العنوان الذي يثير حالة من الإبهام تحث المتلقي على التفكير في العاشق وهويته، وهوية الظلال، وتحثه على البحث في ماهية السري في تاريخ كموش، تنطلق رحلة التناص في التصوف والتاريخ والدين، وتتبلور من خلال السرد والحوار والوسائط المتعددة المستخدمة من صور وموسيقى وفيديو… لتثير إشكاليات قديمة/جديدة حول علاقة الإنسان بربه والطريق إليه.

هذا السري الذي لم يعد سرًّا بعدما برز بقوة في كل قصة من القصص الواقعية الرقمية الأربع التي ترتبط ببعضها شكليًّا بواسطة الروابط، وعضويّا، كونها تظهر لنا مجتمعة رؤية سناجلة إلى عالم عنيف، من خلال شخصيتي كموش وعتيق الرب وغيرهما من شخصيات هذه الرواية  الواقعية الرقمية.

ويرى المتتبع للعلاقات القائمة بين القصص الأربع على مستويي المضمون والترابط النصي وعلى مستوى الصور ما بين مشهد المقدمة(الفيلة والحرب والاقتتال والدخان والنيران) والمشهد الأخير الممثل بالمراهق (وهو يرمي الريموت كونترول) ، أنّ الصوت /النبوءة التي كانت المحفز على الفعل الحربي إرضاء لرب الأرباب، يتحول إلى محفّز لسلوك غير راضٍ عن كل ما يجري فيها تجسّده ملامح المراهق. من هنا، يمكن قراءة هذه القصة الواقعية الرقمية على المستويين السردي والموضوعاتي ، وعلى المستوى التفاعلي على النحو التالي:

1-على المستويين السردي والموضوعاتي يمثل الذات الممثل بشخصية كموش في قصة زمن الشجر أسطورة الإنسان المتأله الذي تحوّل من مظلوم يبحث عن انتقام لطفله ثم لوالده إلى إله ذاته، كما أتى على لسانه:        ” شعرت أني أصبحت إله ذاتي”،  بعدما صور الراوي لنا رفضه تقديس الشجرة،  مدفوعًا برغبة في الانتقام التي تحولت الى مشروع نجحت الشخصية فيه بفضل قوتها العضلية، ما جعلها تتحوّل، على المستوى النفسي، من إنسان إلى إنسان متأله. وهذا ما يلتقي إلى حدّ ما مع ما كان يقوم به الإغريق والرومان لجهة تأليه أبطالهم بعد وفاتهم بسبب شجاعتهم في القتال. وهنا، يصف الراوي شجاعة الذات الفائقة وكيفية تطورها، ثم يعتمد تقنية القطع السردية، فلا يخبرنا شيئًا عن الأحداث التي جعلت كموش ربًا للأرباب في مملكة مؤاب، ولكننا نكتشف  هذا التحول بعد وصوله الى مرتبة”رب الأرباب” في القصة الثانية المعنونة بعنوان “عتيق الرب”.

و”عتيق الرب” هو اسم شخصية ثانية رئيسة تمثّل ابن الملك الذي يعتقه رب الأرباب من حكم الفداء به من أجل الحفاظ على سلامة المملكة، في تناص مع ما جاء في قصة موسى في التوراة، ولكن الراوي يعدّل في القصة التي أتت في التوراة، في أكثر من عنصر، ويحمل “عتيق الرب” مقابل ذلك، رسالة محاربة العبرانين. من هنا، يؤدي كموش في القصة الثانية دور المرسل المحفّز في برنامج “عتيق الرب” السردي الأوّل، ويقبل “عتيق الرب” هذا التحفيز ، ويصبح قائدًا لجيش قوي، مؤمنًا بأنه المنصور على أعدائه. ثم يعدل عن محاربة العبرانيين ويهب لنصرة أهل رماثا أيضًا، بإيعاز من مرسل ثانٍ ممثلاً برسولين: الأول، من قبل والده ممتثلاً لمشيئة الله ، والثاني من قبل  الرومان…  ويسير في تحقيق موضوعه الثاني، بعدما ربط ما طلبه الرسولان منه بالمشيئة الالهية،  فجعل ذلك غير المقبول عند رجاله مقبولاً ، وبذلك تمّ التحوّل من محاربة المعتدين عليهم(العبرانيين)، إلى نصرة شعب آخر(أهل رماثا) … وتاليًا، تتقدّم المشيئة الالهية على كل مشيئة أخرى وتوظّف لتقلب الأدوار في هذا المقام. أما في “الزمن العماء”، وهو عنوان القصّة الثالثة، يتحوّل دور كموش من مرسل ومحفّز إلى ذات باحثة عن معنى الوجود، ويمرّ  سعيه البحثي هذا بالبرزخ  ثم عالم الرفارف ثم عالم الشجر أي إلى الأرض…  وبذلك يتحقق سقوطُه من علُ. وهنا، نرى مسيرة عكسية لتطور شخصية كموش من إنسان/ إله إلى إله /إنسان ، بعدما أغضب الله الذي لم يكن يعرفه في زمن سابق من أزمنة السرد. وفي السياق نفسه،  يظهر لنا الراوي في القصة الرابعة، “العاشق وحيدًا” والتي يصف فيها  كموش حزينًا بسبب اكتشافه من خلال حوار مع “هو” أنه “ظل ظل الوجود”،أي إنه ليس ظلا للعاشق/الاله كاملاً به، وانما هو ظل للظل أي بعيد جدًا عن الأصل والحقيقي، ما يحيلنا الى القول بدائرية هذا السعي البشري وبعبثيته، وبتأسيس فكرة أنّ العبد يبقى عبدًا وأن الاله يبقى إلهًا مهما تنوّعت محاولات الأخير لتغيير حالته التي خُلق بها، وأنّ الله محبة والطريق إليه واحدة. وعلى هذا، تشير بنية هذه الرواية الرقمية الدلالية العمقية إلى أنّ البشر يستمدون حقّ الشّروع في القتال برب يدّعون أنهم ينفذون مشيئته، وهذا ما يظهر لنا من خلال تكراره عدة مرات: “رب  الأرباب كموش العاشق المحب لعباده القاهر الجبار لأعدائه،”  ومع ذلك، لم يتمكّنوا من فرض سيطرتهم إلى الأبد… في حين أنّ فريقًا آخر من البشر، يعتمد المنتمون إليه الصلاة والزهد وسيلة! وعليه،  تمثّل هذه القصص كلّاً متكاملاً  تؤطر رؤية المبدع إلى الإنسان وعلاقته بربه، وإلى المجتمعات المقودة بالسلطة الدينية مقابل صورة أخرى لسلوك جماعة المتصوفة الذين يسعون الى الغاية نفسها، أن يكونوا ظلالاً  للآلهة، أناسا كاملين متحققين بالحضرة الواحدية، ولكنهم اعتمدوا وسائل أخرى الى منتهاهم.

 

2- على مستوى التفاعل: لا يمكن قراءة هذه الرواية الواقعية الرقمية بعيدًا عن موقعها التفاعلي، ولا يمكن أن تُقرأ نصوصها الأربعة بمعزل عن بعضها، إذ كتب سناجلة وصمّم وأخرج، وقدم سرده في قالب تاريخي وديني وأسطوري، وربط القديم بالمعاصر عبر عناصر لغوية وأخرى غير لغوية، فاستخدم النص المترابط(الأرقام وغيرها) ليفسر ما قد يغيب عن بال المتلقي، واستخدم الوسائط المتعددة لينقل المتلقي إلى قلب الحدث، ووضع روايته الواقعية الرقمية في قالب لعبة لجذب المتلقي،  وهو بذلك عمد إلى استخدام تقنيات التفاعل كلها الممكنة مع المتلقين، وذلك من خلال استخدام تقنية النص المترابط من جهة، وفسحه في المجال أمام المتلقين لمراسلة الشخصيات ومحاورتها من جهة أخرى. إلا أنّ التفاعل الحقيقي بقي على مستوى الكتابات النقدية، ولم يتعدّاه إلا قليلا لغير المتخصصين. وهذا، ما يطرح  إشكالية جديدة تتمحور حول نوعية الموضوعات التي تثير  المتلقي العربي، وحول نسبة استعداده للتفاعل والدوافع المحفزة له وتلك المعيقة: أهو موضوع الرواية الواقعية الرقمية الشائك الذي خفّف من نسبة المشاركات التفاعلية أم غياب الاستعداد الفطري عند المتلقي العربي للتفاعل،  أو هو الخوف من التعبير عن الرأي، أم هذا دليل على لا مبالاة؟!!

لا شك أنّ جميع هذه العناصر تتجاذب المتلقي العربي فتجعله يحجُم عن التفاعل، وكذلك موضوع الرواية حساس جدًا، ومتشعب… وكذا لغة النص الغنية بالتناص والحاملة لمحمولات تاريخية ودينية وثقافية كثيرة وتفترض متلقيًا مثقفًا عارفًا في التاريخ واللغة العربية والديانتين اليهودية والاسلامية…

ولا شك أنّ الموضوعات المطروحة مثيرة للجدل، وتحثّ المتلقي، بطريقة غير مباشرة على اتّخاذ موقف، وربما هنا تكمن الصعوبة!

ولا شك أنّ ظلال العاشق التاريخ السري لكموش عمل انتصر فيه النص السّردي على العناصر الأخرى في بنيته التي أتت الوسائط المتعددة زائدة عليه،  بعدما اتّخذت وظيفة الوصف أو الشرح أو التفسير.  إلا أنّ هذا لا يخفف من قيمة العمل الإبداعي ومن تفرّده في وسائل التعبير عن نبذ العنف والعودة إلى الله الواحد الأحد  صانع السلام لا الحرب.